مروان بن محمد: نهاية الأمويين

آخر خلفاء بني أمية: مروان بن محمد بن مروان

تُعد الدولة الأموية واحدة من أعظم الإمبراطوريات التي شهدها التاريخ الإسلامي، حيث امتدت حدودها لتشمل أراضٍ شاسعة في أوروبا وآسيا وأفريقيا. أسسها معاوية بن أبي سفيان بعد فترة من الاضطرابات والصراعات التي شهدها العصر الأموي، ليبدأ تاريخاً جديداً من الحكم الأموي الذي استمر لأكثر من 90 عاماً. ولكن مع بداية القرن الثاني الهجري، بدأ حكم بني أمية يواجه تحديات كبيرة من الداخل والخارج، وفي خضم هذه الأزمة السياسية والعسكرية ظهر آخر خلفاء بني أمية، وهو مروان بن محمد بن مروان، الذي شكل نهاية عهد الخلافة الأموية في الشرق الإسلامي.

1. نشأة مروان بن محمد

وُلِد مروان بن محمد في عام 695م، وكان ينتمي إلى أسرة أمويّة نبيلة وثرية، وهي أسرة مروانية تمتد جذورها إلى الخليفة الأموي الأول، معاوية بن أبي سفيان. يُعتبر مروان بن محمد من أبرز الشخصيات التي ارتبط اسمها بنهاية الدولة الأموية، حيث كان آخر خليفة من أسرة بني أمية في دمشق. ومنذ نشأته، أظهر مروان بن محمد استعداداً واضحاً للسياسة والقيادة، فتربى في بيئة سياسية مشبعة بالتحديات، خاصة مع توسع الخلافات الداخلية والخارجية التي عصفت بالدولة الأموية.

تأثر مروان كثيراً بالصراعات السياسية بين بني أمية والعديد من الأطراف المعارضة لها، وعلى رأسها القوى العباسية التي كانت تتجمع في المناطق الشرقية من الدولة الإسلامية وتتحين الفرص للانقضاض على الدولة الأموية.

2. صعود مروان إلى الخلافة

قبل أن يصبح مروان خليفة، كانت الدولة الأموية تمر بفترة من الضعف والتفكك. في نهاية فترة الخليفة الأموي السابق، يزيد الثاني بن عبد الملك، كان الخلافة قد دخلت مرحلة من الفوضى السياسية، حيث ضعف الحكم الأموي بشكل كبير في ظل الهزائم العسكرية المتتالية، وانتشار الفتن في أرجاء الدولة. ثم جاء مروان بن محمد ليُطلق مرحلة جديدة من حكم بني أمية في وقت كان فيه الشك يحيط بمستقبل الخلافة الأموية.

تولى مروان بن محمد الخلافة في عام 744م، عقب وفاة الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، في فترة حرجة شهدت انقسامات داخلية حادة. كان هناك عدد من العوامل التي جعلت من صعود مروان إلى الخلافة أمراً محتملاً، منها عودته القوية إلى دمشق بعد سنوات من الإقامة في المدينة المنورة، حيث أظهر خلالها قوة شخصية وحنكة سياسية. فضلاً عن ذلك، كانت هناك رغبة كبيرة في تعزيز السلطة الأموية بعد فترة من تراجع قوتها في مناطق عدة من الدولة.

3. إصلاحات مروان بن محمد

حين تولى مروان بن محمد مقاليد الحكم، كان يعلم أن دوره لم يكن مجرد استلام الخلافة وحمايتها فحسب، بل كان مطالباً بتوحيد شتات الدولة الأموية. وقد عمل جاهداً على ترسيخ دعائم السلطة الأموية التي كانت قد اهتزت بفعل الصراعات الداخلية. وأخذ مروان على عاتقه القيام بعدد من الإصلاحات العسكرية والإدارية.

أحد الإصلاحات الهامة التي سعى مروان لتحقيقها كان في مجال الجيش. فقد أعاد تنظيم الجيش الأموي وركز على تدريب الجنود وتطوير الأساليب العسكرية لمواجهة التهديدات المتزايدة من الخارج، خاصة من قوات العباسيين التي كانت قد بدأت تتزايد قوتها في المناطق الشرقية. كما كان يُشدد على ولاء الجنود للسلطة الأموية، مما سمح له ببناء جيش قوي تمكّن من تنفيذ العديد من الحملات العسكرية ضد المعارضين.

أما في مجال السياسة الداخلية، فقد اعتمد مروان بن محمد على سياسة ترهيب خصومه السياسيين عبر تفكيك شبكات المعارضة التي بدأت في التكتل ضد الدولة الأموية، مما أدى إلى تزايد الانقسامات بين قوى الدولة. كما اتسمت فترة حكمه بالتركيز على تعزيز سلطة الخليفة بشكل مركزي، وتوسيع نفوذ العائلة الأموية في المناطق الحيوية داخل الدولة.

4. المعارك والصراعات العسكرية

لم تكن فترة حكم مروان بن محمد خالية من الصراعات العسكرية التي تعكس حالة الاضطراب الكبير التي كانت تعيشها الدولة الأموية. واحدة من أبرز تلك المعارك كانت مواجهاته مع الجيوش العباسية التي كانت قد بدأت تتوحد وتحتشد للانقضاض على الدولة الأموية.

كانت العباسيين، في تلك الفترة، يحظون بدعم قوي من شعوب العراق والحجاز، الذين سئموا من حكم بني أمية. فبعد فشل الخليفة مروان في تحصين جبهته الشرقية، استطاع العباسيون التوسع في تلك المناطق، مما أدى إلى العديد من الهزائم للأمويين.

أكبر معركة شهدتها فترة حكم مروان بن محمد كانت معركة الزاب التي دارت في عام 750م. ففي هذه المعركة، واجه جيش مروان بن محمد الجيش العباسي بقيادة أبو مسلم الخراساني. كانت المعركة حاسمة للغاية، حيث انتهت بهزيمة قاسية للأمويين. ولقد أُسِر مروان بن محمد نفسه بعد المعركة، ولكن لم يتمكن العباسيون من القضاء عليه مباشرة، حيث تم نفيه إلى مصر، لكن نهايته كانت قد اقتربت بالفعل.

5. سقوط الدولة الأموية ونهاية حكم مروان بن محمد

على الرغم من محاولات مروان بن محمد اليائسة في إعادة بناء الدولة الأموية في فترة حكمه القصيرة، إلا أن الأحداث تسارعت بشكل يجعل من الخلافة الأموية في دمشق في نهاية الأمر في حالة انهيار. كان العباسيون قد تمكنوا من تحقيق النصر النهائي في معركة الزاب، وبعد هذه الهزيمة العظمى، انهار الحكم الأموي في الشرق بشكل شبه كامل.

بعض المؤرخين يذكرون أن مروان بن محمد قد حاول الهروب من دمشق بعد هزيمته في الزاب، متوجهاً إلى مصر، حيث اعتقد أنه سيجد قاعدة من الدعم الشعبي، ولكن سرعان ما تعرض للقبض عليه. وتمت محاكمته، وفي النهاية قُتل في عام 750م، ليضع بذلك نهاية لحكم بني أمية في الشرق.

6. إرث مروان بن محمد وآخر خلفاء بني أمية

رغم أن مروان بن محمد لم يستمر طويلاً في حكم الخلافة الأموية، إلا أن فترة حكمه مثلت واحدة من اللحظات الحاسمة في التاريخ الإسلامي. فبموته، انتهت سلالة بني أمية في الشرق، فيما استمرت سلالة أخرى منهم في الأندلس تحت حكم عبد الرحمن الداخل. إن رحيل مروان بن محمد كان بمثابة الفصل الأخير في تاريخ الدولة الأموية التي شهدت في عز قوتها أزهى عصورها، لكنها تعرضت في أواخر أيامها للعديد من الضعف والانهيارات.

وبذلك يُعد مروان بن محمد آخر خليفة من بني أمية في الشرق، ويمثل زوال حكمه نهاية لعصر طويل من تاريخ الخلافة الأموية التي كانت ذات نفوذ كبير في العالم الإسلامي.